إذاً: نستطيع أن نقول: إن الانتفاضة المباركة استطاعت أن ترسخ ثلاثة مفاهيم فيما يعرف بالبنية التحتية:
أولاً: الإرادة، إرادة الشارع الفلسطيني إرادة لا يستطيع أحد أن ينكر أنها إرادة في منتهى الروعة، هذه الإرادة التي تقول بـمحمد الغول (14.5) تواجه قوات الكمندوز قبل أسبوعين فقط، قوات كمندوز جاءت من البحر وتركوا خلفهم أقدامهم وصور أظنكم رأيتموها.
إرادة المقاومة والقتال لا يستطيع أحد أن ينكرها.
ثانياً: هذا الرحم الذي يصب في المقاومة، لو لم تكن هناك الرغبة الشعبية في الاستمرار في المقاومة لما وجدت حماس لها من معين أبداً بعد الله تبارك وتعالى؛ لأن الأم التي تحوّل شهادة ابنها إلى عرس وتوزع الحلوى، الأم والأخت والزوجة التي تقول وهي تودع ابنها أو زوجها أو أخاها تقول: سننجب حتى نوجد جيل تغيير يقاوم الاحتلال، هذه الظاهرة لا تجد منها نموذجاً واحداً في الكيان الإسرائيلي.
ثالثاً: السلاح نزع منا في عام (1996م) وأرخص شيء يمكن أن يعيشه إنسان هو السلاح، لكننا في خلال فترة بسيطة من حُلي النساء ومن عرق الرجال أوجدنا السلاح، والعجيب في هذا السلاح أنه يصنع من مواد قد لا تخطر على بال أحد، من اليوريا؛ من مخلفات البول، وبه نستطيع أن نهزم الكيان الإسرائيلي، وبالتالي دخلوا في منطقة الشجاعية ليقابلوا عائلة وظلوا يمشون (14) ساعة وهي لا تبعد سوى كيلو متر عن الحدود والإمدادات، تركوا خلفهم دبابتهم وعندنا على الأقل باب دبابة موجود الآن في غزة، وتستطيع أن ترى هذه الملحمة البطولية.
إذا أردنا أن نسجل تاريخ الشعب الفلسطيني فلكل شهيد من هؤلاء قصة، انظر إلى ما سجلته الأمة العربية، أحمد عرابي فقط لأنه قال: والله لن نستعبد بعد اليوم، أصبح الآن رمزاً من رموز مصر، لكننا اليوم إذا وضعنا أي شهيد من شهداء الشعب الفلسطيني فإنه سيصبح قصة يفخر بها كل العالم الإسلامي.
نقولها وأعناقنا ساجدة وراكعة لله تبارك وتعالى، لا نفخر بها على أحد، ولكننا نقول: إنها نموذج يحتذى به، يمكن أن أهزم إسرائيل، أقسم لك بالله العظيم أن زوال إسرائيل حقيقة قرآنية نراها وندركها ونحسها ونطبقها عملياً، نحن نواجه الكيان الإسرائيلي والإرادة الإسرائيلية، نحن أقوى منهم بإذن الله تبارك وتعالى، وأقول لك: نحن نرمي ولا نعرف كيف تأتي هذه الرمية، لكن الذي ندركه أن الله تبارك وتعالى يرمي عنا: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى))[الأنفال:17].
أقسم لك بالله العظيم أن أحد المجاهدين قال لي: إن العبوة وضعت ومد سلكها وفجرت في أقل من دقيقة، وشاهد الدبابة وهي تنفجر أمامه.
إذاً .. نحن هنا نعيش في معية الله تبارك وتعالى، نعيش حالة لا يمكن أن يستشعرها إلا من عاشها، أسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لنا هذا الذي يحدث في ميزان حسناتنا.
المذيع: دكتور محمود! معي الدكتور سفر يريد أن يطرح عليك تساؤلاً.
الدكتور: أهلاً وسهلاً!
الشيخ: حفظك الله يا أخي! المجاهد الأخ الدكتور محمود، في الحقيقة هو ليس تساؤلاً، بل والله لا أريد أن أقطع هذا الكلام الممتع الذي عبر أثره القديم عنه، الحديث عن الثغور له حلاوة، وعليه طلاوة، وله رقة، ويدخل القلوب مباشرة، ويأتي من فم الأخ المجاهد الدكتور محمود معبّراً عن الملايين من المجاهدين الأبطال في الأرض المباركة.
والذي أحب أن قوله: إن ما تعيشونه من هذه الحمية الإيمانية وهذا اليقين بما عند الله سبحانه وتعالى نحن أحوج ما نكون إليه، انقلوه لنا بأي شكل من الأشكال، الأمة يا أخي الدكتور تعاني من هزيمة، تعاني من إحباط، الأمة لا تدري أنها تعيش مرحلة فجر جديد، مثل هذا الكلام النيّر المشرق نريده أن يتكرر، نريد أن تبلغوه بأي طريقة.
نريد الإخوة في المجد وغير المجد أن يعطوك ويعطوا الدكتور عبد العزيز والإخوة المجاهدين الآخرين الوقت الأطول لكي تبلغوا هذه الحقائق للأمة وتوعوّن بها؛ لأننا نعيش قضية أحداث، قضية هدم بيوت، قضية هذا يقتل، هذا كذا، هذا كذا..، لا نعيش هذه الرؤى الإيمانية المتكاملة المؤصلة، هذا الذي أحب أن أقوله أخي الكريم وفقك الله.